top of page
Search

رجل هذا الزمان


رجل هذا الزمان هكذا يرى خالد نفسه، يقف امام المرآة بزهو، بعد ان يكون قد مارس رياضيته الصباحية، فهو يحب ان يحتفظ بكل المعدات الرياضية التي تحافظ له على رشاقته، بعد ان يمشي لنصف ساعة على جهاز المشي، يحمل الاثقال التي تترواح اوزانها حسب مزاجه، ثم يسبح في المسبح الداخلي لمدة تترواح بين نصف ساعة الى ساعة، وبعد ان ينتهي يأخذ حماماً ساخناً، وبعدها يقفل باب الطابق الارضي بأحكام ليضمن ان لا يصل إليه ابنه عبد الرحمن الذي تعلم المشي منذ اسابيع، بعدها يلعب معه، ويوصل ابنته لانا الى باصها المدرسي، ويعود الى البيت يجهز نفسه للخروج الى مملكته، تتلاقى نظراته مع زوجته التي يشعر انها تكتم ما تريد قوله، وهو سعيد بذلك، يريد ان يخرج من بيته بسلام، يطيل النظر لساعته الرولوكس، ليتأكد أنه لم يتأخر، يقف محتاراً بين سيارته المرسيدس وبين الرنج روفر، ليقرر ان اليوم مناسب لان يركب سيارته المرسيدس السوداء التي يكشف سقفها ليستمتع بالشمس بعد طول شتاء.

يصل الى مكتبه الجديد في معرضه الخامس للسيارات الذي هو إنجازه الجديد- مختالاً بسلسلة اعماله في مجال السيارات التي تحتل اماكن مختلفة من ولاية نيوجرسي، فبالإضافة للمعارض يمتلك خالد اربعة محلات لتصليح السيارات- ليبدأ عمله متخيلاً نفسه ملك يدير شؤون مملكته، فلا يتوقف عن اصدار الأوامر، يزج نفسه في أدق التفاصيل، يتصل بأخته التي تعيش في نيويورك، يشكو لها من متاعب يومه، ممتدحاً لها جمال زوجتها وتفانيها في رعايتها لاطفالها، ثم يحدثها عن متعته وهو يلاعب صغيره، وعن سعادته بذكاء ابنته لانا التي هي في الصف الرابع وتناقشه في امور علمية هو نفسه لا يعلمها، وينهي المكالمة بأن مشاغله لا تسمح له بزيارتها، قد تكون المسافة بينهم ليست هي العائق ولكن وقته لا يسمح. يتصل بأخيه الذي يعيش في بنلسفانيا، يطلب منه أن يأتي إليه ليستفد من خبرته ويكون هو المديرالمسؤول للمبيعات في كل المحلات. فقد اقتنع مؤخراً ان مهامه اكبر من وقته. تزداد مشاكل خالد مع زوجته سوزان، التي تعتقد ان أقتراب اي فرد من افراد عائلة خالد خطر عليها وعلى عائلتها التي تتصدر حياتها وحياة زوجها، على غير عادته خالد لا يؤجل النقاش ولا يهرب من النزاع يحتد في مواجهة زوجته، لتدخل امها وتكون طرفاً في النزاع، ويقف خالد وزوجته على جبلين متقابلين هو يحتمي بشرقيته، وهي على الجبل المقابل تلوح بحقوقها كأمرأة تحميها قوانين امريكا، وبينهم حبل طويل معلق في اطرافهم، يحمل المصالح، المجتمع، العائلة، والطفلين، كل منهم يشده بعناد . ليخرجوا بعدها الى المجتمع الخارجي، ليتفنن خالد في تدليل سوزانه، التي يسعدها افراط زوجها في احتضانها وتقبيلها امام عائلته وعائلتها، وعندما تغلق عليهم الابواب يعود حالهم لما كان عليه.

بعد ان طفح به الكيل، قرر خالد ان يشرك اخته رنا في مشكلته مع زوجته، يفرغ امامها شحنة غضبه من أنانية زوجته، يلوح امامها بحل الطلاق، ليسيطر على اخته القلق من هذا الحل الذي سيؤذي الطفلين، ويؤذي خالد اكثر الذي افرغ حياته من الاصدقاء، ففي قلب رنا حسرة على أخيها، تهمس لذاتها، "لقد اكتفى خالد لسنوات طويلة بسوزان واهلها، ولم يكن قريب منه الا صديقه مايكل، التي حاولت سوزان جاهدة ابعاده عن طريق زوجها، ولولا مصالح العمل المشتركة بين خالد ومايكل لتمكنت سوزان من انهاء صداقتهم، فلقد تفننت في تفتيت علاقات زوجها مع اهله واصدقاءه، حتى أمه لم تسلم من محاولات الزوجة، اعتبرت سوزان انها احق من الجميع بمشاعر زوجها، لتضيق الدائرة عليه". تملك خالد شعور بالوحدة، حاول الاتصال بأخوته في الاردن، واولاد عمومته، ليشعر أن الغربة قد بنت حاجز طويل بينه وبينهم، دخل الى اول بار وصل إليه، لم يستسغ طعم المشروب، فلقد قاطعه منذ سنوات عديدة، حبس نفسه بذكرياته في لوس انجلوس، عندما كانت حياته مفعمة بالحيوية، يحيط به عشرات من الاصدقاء، فاين هم اصدقاء الامس، عاد لا يذكر حتى ملامحهم. كيف لحياته ان تقتصر على سوزان، فحياته الماضية ملئية بالجميلات. عاد ليتصل بأخته رنا يبكي كطفل ضاعت منه أيامه، يخبرها أن هجر بيته وزوجته، تاركاً بين يد سوزان كل ما جناه من غربته، حتى اطفاله، ذاهباً الى المجهول باحثاً عن ذاته. تحاول اخته جاهدة ان تثنيه ن قراره، ينهي المكالمة ويرحل.

وبعد اسبوع، يقف رجل هذا الزمان أمام مرآته، مبهوراً بأنجازاته، يداعب صغيره، يوصل ابنته الى باصها المدرسي، ويتفادى النظر في أعين زوجته، يريد ان يغادر الى عمله في سلام.......


28 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page