top of page
Search

صاحبي


في بلاد الغربة، تكون الحياة رتيبة، حتى لطفل صغير، لا يجد من يلعب معه. تصورت أن عالم المدرسة سيلبي هذا الاحتياج، ولكن واجهتني مشكلة…مشكلة "حامد".

لا أحد يعرف متى بدأ "حامد" الدراسة. كنا نحسبه من ضمن مدرسي المدرسة أو بالأحرى أحد الأعمدة فيها! ينظر لنا، خاصة نحن المتفوقين، وقت اللعب، نظرة غريبة، ثم ينقض علينا ليضايقنا مستغلا ضخامة جسمه، وما بدأ يظهر له من لحية وشارب، قد يعطيانه شيئا ما من الرهبة لأطفال صغار. عندما أعترضت على مضايقته مرة، ضربني ضربا مبرحا. فقررت الانتقام منه بالتعاون مع حلفائي، من ضحاياه الكثيرين. لكنه دائما ما يُحاط بطلبة كبار لا يمكننا مواجهته وهو بينهم.

- أنا قرأت في مجلة ميكي خطة عملها ميكي مع دنجل. دنجل. قال أحدهم. فأعترض آخر.

- على فكرة قصص ميكي غير حقيقية.

- وإنت عرفت من أين؟!

- ماما قالت لي، لما بطوط مرة نط من على البناية الطويلة وطار؛ لأن البط لا يطير.

- بطوط كان حاطط جناحات لما طار. وعلى فكرة في نوع من البط بيطير، البط العراقي…أخذناها في حصة العلوم.

أخذنا في النهاية برأي الأغلبية وأعددنا خطتنا، كما حدث في المغامرة.

كان والد حامد، الضابط العسكري، معتادا على أن يوصله مبكرا جدا، قبل أن ينطلق إلى عمله. وتكون المدرسة الواسعة، وقتها شبه خالية إلا من الحارس، ومدرس أو إثنين بغرفة التدريس البعيدة. ويكون ضوء الشمس لم يسطع بعد لينير المكان بصورة كافية، خاصة في أيام الشتاء. إتفقت مع حلفائي على أن نحضر قبله وأن يبرر كلا منا لأهله ذلك بأننا قد تم إختيارنا لتزين الفصل استعدادا لحفل المتفوقين قبل إجازة نصف الفصل الدراسي. تمكن ثلاثة غيري من المجئ وكان هذا العدد كافيا لإنجاح الخطة. إختبأوا في الفصل المختار وظللت أنا في إنتظار الفريسة.

- صباح الخير يا خرتيت.

- تأدب يا ولد ولا أدبك تاني.

- تأدب مين؟! يا فاشل.

- جنيت على نفسك.

أخذ يركض ورائي وجسده الممتلئ يهتز، حتى ظننت أنه يزلزل جنبات المدرسة. دخلت باب أحد الفصول وخرجت من نافذته، المطلة على ممر، يصل بين عدة فصول. كررت ذلك في ثلاثة فصول "لماذا تركض هكذا؟!...أتظن أنك فراشة؟!" قلتها وضحكت. رأيته يفتح شفتيه ليرد ولكني لم أسمع صوته؛ يبدو أنه قد قرر ألا يهدر أنفاسه اللاهثة في غير محاولة اللحاق بي. حامد، الخبير بالمدرسة، يعرف جيدا الفصل الواقع في نهاية الممر؛ فقد إعتاد أن يدخن فيه السجائر، وقت الفسحة، لأن نافذته تسمح للدخان بأن يخرج دون أن يلاحظه أحد المدرسين، فهي تطل على الشارع وليس على الممر. لذلك فقد عقد العزم أن يصطادني فيه، ولا يعلم أنه يقع في الفخ. فما أن دخل ورائي، حتى أغلق أحد المختبئين الباب، وقيد إثنان حركته بسرعة، وصفعته أنا صفعة قوية، حاول الإفلات ولكنه لم يفلح، مرت لحظة ثم أطرق ونظر بيأس للعصا الغليظة التي يحملها الواقف عند الباب، "النهاردة حأننتقم لكل اللي عملته فينا" قلتها وهممت لأفتك به، "أنا لا قادر أنجح ولا قادر حتى ألعب معاكم. ب تبعدوا عني ليه؟" قالها وأخذ يبكي ويصيح. فنظرنا لبعضنا وقلت لهم " كفاية يا جماعة"، وتركناه يمضي.

عندما رأني في اليوم التالي طأطأ رأسه ومشى بعيدا، فناديته "يا حامد" فأشاح بوجهه فقلت له "يا حامد يا صاحبي" فألتف لي ومررت له الكرة.


18 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page